بسم الله الرحمن الرحيم تلك هي الحياة يقول ابن القيم رحمة الله عليه (وقت الإنسان وعمره في الحقيقة, وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم, ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم, وهو يمر مر السحاب, فما كان من وقته لله وبالله فهو حياته وعمره, وغير ذلك ليس محسوباً من حياته وأن عاش فيه عيش البهائم, فإذ انقطع وقته في الغفلة والسهو والأماني الباطلة, وكان خير ما قطعه به النوم والبطالة فموت هذا خير له من حياته) [الجواب الكافي، ابن القيم, ص (184)]. الفارغون في الحياة: (الفارغون في الحياة، هم أهل الأراجيف والشائعات؛ لأن أذهانهم موزَّعة، إنَّ أخطر حالات الذهنِ يوم يفرغُ صاحبُه من العمل، فيبقى كالسيارة المسرعة في انحدار بلا سائق تجنح ذات اليمين وذات الشمال. يوم تجدُ في حياتك فراغاً فتهيَّأ حينها للهمِّ والغمِّ والفزع، لأن هذا الفراغ يسحبُ لك كل ملفَّاتِ الماضي والحاضرِ والمستقبل من أدراج الحياةِ فيجعلك في أمر مريج، ونصيحتي لك ولنفسي أن تقوم بأعمالٍ مثمرةٍ بدلاً من هذا الاسترخاءِ القاتل لأنه وأدٌ خفي، وانتحار بكبسول مسكِّن، إن الفراغً أشبهُ بالتعذيب البطيءِ الذي يمارس في سجون الصين بوضع السجين، تحت أنبوب يقطُر كل دقيقة قطرة، وفي فترات انتظار هذه القطرات يُصاب السجين بالجنون. الراحةُ غفلة.. والفراغ لص محترف.. وعقلك هو فريسة ممزَّقة لهذه الحروب الوهميَّة.. إذاً قم الآن صلِّ أو اقرأ.. أو سبِّحْ، أو طالعْ، أو اكتب، أو رتِّب مكتبك، أو أصلح بيتك، أو انفع غيرك حتى تقضي على الفراغ، وإني لك من الناصحين، اذبح الفراغ بسكين العمل، ويضمن لك أطباء العالم 50% من السعادة، مقابل هذا الإجراء الطارئ فحسب) [لا تحزن، د.عائض القرني، (16-17)]. تلك هي الحياة: تلك هي الحياة، وتلك هي السعادة الأبدية، يوم يعيش المرء في هذه الحياة، وفق ما أراد رب البرية، الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين، فسبحان من يعلم ما يصلح العباد ويحقق لهم السعادة والرشاد والأمن والأمان والراحة النفسية والذهنية، ولذا حضهم على استغلال الأعمار وعدم تضييع الأوقات فيما لا ينفع وليس هو بمفيد، فجاء سور القرآن تستفحم بالعصر والليل والضحى والفجر دلالة على أهمية الوقت، فتلك هي الحياة السعيدة التي تعيشها أيها الشاب يوم تتعرف على أهمية العمر وخطورة الزمان، يوم أن تسمع عن أولئك السلف الذين ودُّوا لو أن الساعات تباع فيفتدوها بأموالهم، وبعد ما تسمع وتتعرف تهرع إلى استغلال أيامك وليالك، فتكون ذلك الشاب الذي يحمل في جيبه دفتر صغير ترتب فيه المواعيد، وتنظم الوقت، فوقت للقراءة، ووقتٌ للعبادة، ووقتٌ للمطالعة، ووقت للمشاركات الخيرية، ووقت للمشاركات العائلية، ووقتٌ للراحة. إذًا فيمكننا الآن أن نقول أن الحل السحري لكل معاناة الإنسان، هو ملء هذا الفراغ، والسؤال الآن كيف نملأ أوقات فراغنا: حدد هدفك إن أجل ما يجعل الإنسان حريصًا بل شحيحًا بوقته، هو ذلك الهدف هي تلك الغاية التي تسكن أعماقه وتملأ عليه وجدانه، يوم يشعر أنه يحيى لهذه الحياة لتحقيق أهداف يواصل ليله بنهاره من أجلها ويفرح بإنجازها، بل لقد جعل الله تبارك وتعالى الهدف من الخليقة واضحًا للعيان، ليتعلم بنو الإنسان أن وضع الهدف غاية في الخطورة والأهمية فقال الحق تبارك وتعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]. ثم ترى الحق جل في علاه، يتعجب من هؤلاء الذين حسب الخلق أنشأه المولى بلا غاية وبلا هدف، فقال: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون: 15-16]. أرأيتم يا شباب، كيف أن هذه الخليقة التي تسير على البسيطة خلقت من أجل غاية وهدف، ولذا رتب الله السعادة في هذه الحياة وفق مدى الاقتراب والابتعاد عن الهدف، وأنت ينبغي أن تتعلم من سنن الله تبارك وتعالى في كونه، فاعلم أن مصدر سعادتك الحقيقي يوم أن تشعر بأهميتك وبتحقيق ذاتك في أرض الواقع (حينما تحيا لأهداف) وحينها فقط لن يعرف قاتل الشباب ـ الوقت ـ إلى عمرك وساعاتك سبيلًًا، وكلما هم بسرقة أو شروع في قتل طرحه أمله في تحقيق ما تسعى إليه أرضًا وربما أرداه قتيلًا كل بحسب أهدافه غاياته، وإليك ثلاثة نقاط تساعدك في تحقيق هدفك: - (ضع لك مجموعة من الأهداف تسعى لتحقيقها. - أطلب المساعدة من أهل الثقة لديك، على معاونتك في وضع أهداف واقعية ووضع خطط عملية؛ لتحقيق هذه الأهداف) [كيف تقولها للمراهقين، ريتشارد هيمان، (213)]. - ذكر نفسك دائمًا بأهدافك. فتحديد أهدافنا هو الذي يمكننا من ترتيب أولوياتنا بحيث نستطيع توزيع ما نملك من وقت على الأنشطة اليومية التي تصب في تحقيق هذه الأهداف تبعًا لأهميتها بالنسبة لنا، أما الذي لا يملك أهدافًا واضحة في حياته فإن وقته يضيع سدى حتى لو كان يصرفه في أنشطة نافعة مفيدة؛ لأنها لا تعمل في اتجاه أهداف محددة، وكما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (ليس العاقل من يعرف الخير من الشر، إنما العاقل من يعرف خير الخيرين وشر الشرين). تحكم في وقتك إدارة الوقت، تلك هي المشكلة التي كنا نعاني منها، ولكن أبشر فإن هذه الإدارة لوقتك ستجدها ميسرة بإذن الله بعدما تضع تصور لأهدافك، وطريقة تحقيقها في أرض الواقع، فالشخص الذي حدد أهدافه في الحياة هو الشخص الوحيد القادر على إدارة وقته بكفاءة واقتدار، بحيث يحقق أقصى استفادة قصوى منه، فإدارة الوقت لا تعني استغلاله وفقط، إنما تعني الاستفادة القصوى من الوقت في تحقيق أكبر قدر ممكن من الأهداف، فليس المهم أن تتقدم بسرعة، بل المهم أن يكون تقدمك في الاتجاه الصحيح، ومما يفيدك في ذلك كثيرًا أن تقرأ في المقالات التي تتحدث عن إدارة الوقت وكيفية تنظيمه، ويا حبذا لو وجدت دورات علمية تسعى في ذلك الإطار تستطيع حضورها، والمشاركة فيها. فما أحلاها تلك الصورة التي تجد فيها وقتك في الختام، مقسمًا بين عبادة تشمل صيام وصلاة وقيام، وبين مشاركة لأهل الطاعة في بيوت الله سواء في حضور المجالس العلمية والإيمانية، أو في حلقات حفظ القرآن، ثم ها أنت تزور أقاربك وتصل رحمك، ولا تتشاغل عن المشاركة الفعالة في المخيمات الخيرية والمراكز الصيفية التطوعية، ووقت للمطالعة والقراءة، ووقت للرياضة... إلخ. اجعل لك في الخير نصيبًا (التطوع بوقتك من أجل الآخرين، أو من أجل قضية تحبها وتدافع عنها، يساعدك كثيرًا كما يساعد الشخص الذي تسعى لمساعدته) [لا تهتم بصغائر الأمور للمراهقين، د. ريتشارد كارلسون، (66)]. فجميلة تلك الأعمال الخيرية، المهمات التطوعية التي تملأ قلب الإنسان سعادة وفرحًا وتملأ وقته ثوابًا وبركة، كما أنها تمنح الآخرين نعيمًا وسرورًا، فأسرع إلى المشاركة فيها وبفضل الله كثيرة هي المراكز الخيرية والمخيمات التطوعية، التي تسعى لنشر الخير وخدمة المسلمين، فما أجمل أن تجعل جزءًا من وقتك ينصرف فيها، لاشك أنها ستعود عليك بكثير من الخيرات التي لا يتسع المجال هنا لحصرها ولكن من بينها أن تربيك على تحمل المسئولية، وتشغل جزء كبيرًا من وقتك بالنافع والمفيد، وتلتقي فيها برفقة طيبة صالحة، تعينك على الخير وتدلك عليه. وللوالدين دور أيضًا (1ـ أن يكون الوالدان القدوة الحسنة للأبناء، في جميع التصرفات والسلوكيات. 2ـ على الأسرة تعويد الأبناء تنظيم الوقت وتوزيعه إلى وقت عمل ووقت فراغ بشكل عقلاني وعلى مختلف الأوجه، فالتفكير المنهجي في تنظيم الوقت هو ما يميز نجاح الأسرة وبالتالي نجاح المجتمع في النهاية, ولا يمكن لحضارة أن تتقدم وترقى ما لم تدرك أهمية الوقت وكيفية استثماره. 3 ـ وضع تخطيط متكامل للأبناء؛ لكيفية قضاء وقت الفراغ بعد المناقشة وأخذ مختلف الآراء لأعضاء الأسرة. 4ـ تعويد الأبناء على المناقشة والحوار في جميع الأمور، بدون تخوف أو إحراج. 5 ـ اشتراك الأبناء في النشطة والدورات التي تعدها بعض المؤسسات الخيرية، أو الدوائر الحكومية. 6 ـ دراسة المقترحات المعروضة من الأبناء، ومناقشة إمكانية تطبيقها مع توضيح أسباب عدم تنفيذ بعض المقترحات لهم. 7 ـ التركيز على المتميزين من الأبناء والثناء عليهم ومدحهم، وإعطائهم الثقة بالنفس. 8ـ إنشاء المكتبات المنزلية، وتعويد الأبناء على اختيار الكتب النافعة وقراءتها والمناقشة معهم للوقوف على فوائدها والاستفادة منها. 9ـ المتابعة المستمرة من الأسرة، والاهتمام بهم دون إفراط أو تفريط في كل عمل أو نشاط يرغبون القيام به. 10ـ توطيد العلاقات الاجتماعية بين أفراد الأسرة، من خلال الزيارات المنزلية لذوى الأرحام التي أوصانا بها نبي هذه الأمة) [الاستشارات التربوية، موقع المستشار]. المصادر: الجواب الكافي، ابن القيم لا تحزن، د.عائض القرني كيف تقولها للمراهقين، ريتشارد هيمان لا تهتم بصغائر الأمور للمراهقين، د. ريتشارد كارلسون منقول | ||
تلك هي الحياة
منايا الجنة-
تاريخ التسجيل : 03/08/2009
الــبــلــد : ارض الله الواسعة
عدد المساهمات : 61
النقاط : 5720
- مساهمة رقم 1