دموع في حياة النبي صلى الله عليه وسلم
البكاء نعمة عظيمة امتنّ الله
بها على عباده ، : { وأنه هو أضحك وأبكى } ( النجم : 43 ) ، فبه تحصل
المواساة للمحزون ، والتسلية للمصاب ، والمتنفّس من هموم الحياة ومتاعبها .
ويمثّل
البكاء مشهداً من مشاهد الإنسانية عند رسول الله – – ، حين كانت تمرّ به
المواقف المختلفة ، فتهتزّ لأجلها مشاعره ، وتفيض منها عيناه ، ويخفق معها
فؤاده الطاهر .
ودموع النبي – – لم يكن سببها الحزن والألم فحسب ،
ولكن لها دوافع أخرى كالرحمة والشفقة على الآخرين ، والشوق والمحبّة ،
وفوق ذلك كلّه : الخوف والخشية من الله سبحانه وتعالى .
فها هي
العبرات قد سالت على خدّ النبي – صلى الله عليه وسلم - شاهدةً بتعظيمة
ربّه وتوقيره لمولاه ، وهيبته من جلاله ، عندما كان يقف بين يديه يناجيه
ويبكي ، ويصف أحد الصحابة ذلك المشهد فيقول : " رأيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم وفي صدره أزيزٌ كأزيز المرجل من البكاء – وهو الصوت الذي يصدره
الوعاء عند غليانه - " رواه النسائي .
وتروي أم المؤمنين عائشة رضي
الله عنها موقفاً آخر فتقول : " قام رسول الله – صلى الله عليه وسلم -
ليلةً من الليالي فقال : ( يا عائشة ذريني أتعبد لربي ) ، فتطهّر ثم قام
يصلي ، فلم يزل يبكي حتى بلّ حِجره ، ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بلّ لحيته ،
ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بلّ الأرض ، وجاء بلال رضي الله عنه يؤذنه
بالصلاة ، فلما رآه يبكي قال : يا رسول الله ، تبكي وقد غفر الله لك ما
تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال له : ( أفلا أكون عبداً شكوراً ؟ ) " رواه
ابن حبّان .
وسرعان ما كانت الدموع تتقاطر من عينيه إذا سمع القرآن
، روى لنا ذلك عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال : " قال لي النبي -
صلى الله عليه وسلم - : ( اقرأ عليّ ) ، قلت : يا رسول الله ، أقرأ عليك
وعليك أنزل ؟ ، فقال : ( نعم ) ، فقرأت سورة النساء حتى أتيت إلى هذه
الآية : { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا } (
النساء : 41 ) فقال : ( حسبك الآن ) ، فالتفتّ إليه ، فإذا عيناه تذرفان "
، رواه البخاري .
كما بكى النبي – صلى الله عليه وسلم – اعتباراً
بمصير الإنسان بعد موته ، فعن البراء بن عازب ضي الله عنه قال : " كنا مع
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنازة ، فجلس على شفير القبر – أي
طرفه - ، فبكى حتى بلّ الثرى ، ثم قال : ( يا إخواني لمثل هذا فأعدّوا )
رواه ابن ماجة ، وإنما كان بكاؤه عليه الصلاة والسلام بمثل هذه الشدّة
لوقوفه على أهوال القبور وشدّتها ، ولذلك قال في موضعٍ آخر : ( لو تعلمون
ما أعلم لضحكتم قليلاً ، ولبكيتم كثيراً ) متفق عليه.
وبكى النبي –
صلى الله عليه وسلم – رحمةً بأمّته وخوفاً عليها من عذاب الله ، كما في
الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه ، يوم قرأ قول الله عز وجل : { إن تعذبهم
فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم } ( المائدة : 118 ) ،
ثم رفع يديه وقال : ( اللهم أمتي أمتي ) وبكى .
وفي غزوة بدر دمعت
عينه - صلى الله عليه وسلم – خوفاً من أن يكون ذلك اللقاء مؤذناً بنهاية
المؤمنين وهزيمتهم على يد أعدائهم ، كما جاء عن علي بن أبي طالب رضي الله
عنه قوله : " ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم إلا رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - تحت شجرة يصلي ويبكي حتى أصبح ) رواه أحمد .
وفي ذات
المعركة بكى النبي – صلى الله عليه وسلم - يوم جاءه العتاب الإلهي بسبب
قبوله الفداء من الأسرى ، : { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في
الأرض } ( الأنفال : 67 ) حتى أشفق عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه من
كثرة بكائه.
ولم تخلُ حياته – صلى الله عليه وسلم – من فراق قريبٍ
أو حبيب ، كمثل أمه آمنة بنت وهب ، وزوجته خديجة رضي الله عنها ، وعمّه
حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه ، وولده إبراهيم عليه السلام ، أوفراق
غيرهم من أصحابه ، فكانت عبراته شاهدة على مدى حزنه ولوعة قلبه .
فعندما
قُبض إبراهيم ابن النبي - صلى الله عليه وسلم – بكى وقال : ( إن العين
تدمع ، والقلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يُرضي ربنا ، وإنا بفراقك يا
إبراهيم لمحزونون ) متفق عليه.
ولما أراد النبي – صلى الله عليه
وسلم - زيارة قبر أمه بكى بكاءً شديداً حتى أبكى من حوله ، ثم قال : (
زوروا القبور فإنها تذكر الموت ) رواه مسلم .
ويوم أرسلت إليه إحدى
بناته تخبره أن صبياً لها يوشك أن يموت ، لم يكن موقفه مجرد كلمات توصي
بالصبر أو تقدّم العزاء ، ولكنها مشاعر إنسانية حرّكت القلوب وأثارت
التساؤل ، خصوصاً في اللحظات التي رأى فيها النبي – - الصبي يلفظ أنفاسه
الأخيرة ، وكان جوابه عن سرّ بكائه : ( هذه رحمة جعلها الله ، وإنما يرحم
الله من عباده الرحماء ) رواه مسلم .
ويذكر أنس رضي الله عنه عن
النبي - صلى الله عليه وسلم - لزيد وجعفر وعبد الله بن رواحة رضي الله عنه
يوم مؤتة ، حيث قال عليه الصلاة والسلام : ( أخذ الراية زيد فأصيب ، ثم
أخذ جعفر فأصيب ، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب - وعيناه تذرفان - حتى أخذ
الراية سيف من سيوف الله ) رواه البخاري .
ومن تلك المواقف النبوية
نفهم أن البكاء ليس بالضرورة أن يكون مظهراً من مظاهر النقص ، ولا دليلاً
على الضعف ، بل قد يكون علامةً على صدق الإحساس ويقظة القلب وقوّة العاطفة
، بشرط أن يكون هذا البكاء منضبطاً بالصبر ، وغير مصحوب بالنياحة ، أو
قول ما لا يرضاه الله تعالى
البكاء نعمة عظيمة امتنّ الله
بها على عباده ، : { وأنه هو أضحك وأبكى } ( النجم : 43 ) ، فبه تحصل
المواساة للمحزون ، والتسلية للمصاب ، والمتنفّس من هموم الحياة ومتاعبها .
ويمثّل
البكاء مشهداً من مشاهد الإنسانية عند رسول الله – – ، حين كانت تمرّ به
المواقف المختلفة ، فتهتزّ لأجلها مشاعره ، وتفيض منها عيناه ، ويخفق معها
فؤاده الطاهر .
ودموع النبي – – لم يكن سببها الحزن والألم فحسب ،
ولكن لها دوافع أخرى كالرحمة والشفقة على الآخرين ، والشوق والمحبّة ،
وفوق ذلك كلّه : الخوف والخشية من الله سبحانه وتعالى .
فها هي
العبرات قد سالت على خدّ النبي – صلى الله عليه وسلم - شاهدةً بتعظيمة
ربّه وتوقيره لمولاه ، وهيبته من جلاله ، عندما كان يقف بين يديه يناجيه
ويبكي ، ويصف أحد الصحابة ذلك المشهد فيقول : " رأيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم وفي صدره أزيزٌ كأزيز المرجل من البكاء – وهو الصوت الذي يصدره
الوعاء عند غليانه - " رواه النسائي .
وتروي أم المؤمنين عائشة رضي
الله عنها موقفاً آخر فتقول : " قام رسول الله – صلى الله عليه وسلم -
ليلةً من الليالي فقال : ( يا عائشة ذريني أتعبد لربي ) ، فتطهّر ثم قام
يصلي ، فلم يزل يبكي حتى بلّ حِجره ، ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بلّ لحيته ،
ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بلّ الأرض ، وجاء بلال رضي الله عنه يؤذنه
بالصلاة ، فلما رآه يبكي قال : يا رسول الله ، تبكي وقد غفر الله لك ما
تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال له : ( أفلا أكون عبداً شكوراً ؟ ) " رواه
ابن حبّان .
وسرعان ما كانت الدموع تتقاطر من عينيه إذا سمع القرآن
، روى لنا ذلك عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال : " قال لي النبي -
صلى الله عليه وسلم - : ( اقرأ عليّ ) ، قلت : يا رسول الله ، أقرأ عليك
وعليك أنزل ؟ ، فقال : ( نعم ) ، فقرأت سورة النساء حتى أتيت إلى هذه
الآية : { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا } (
النساء : 41 ) فقال : ( حسبك الآن ) ، فالتفتّ إليه ، فإذا عيناه تذرفان "
، رواه البخاري .
كما بكى النبي – صلى الله عليه وسلم – اعتباراً
بمصير الإنسان بعد موته ، فعن البراء بن عازب ضي الله عنه قال : " كنا مع
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنازة ، فجلس على شفير القبر – أي
طرفه - ، فبكى حتى بلّ الثرى ، ثم قال : ( يا إخواني لمثل هذا فأعدّوا )
رواه ابن ماجة ، وإنما كان بكاؤه عليه الصلاة والسلام بمثل هذه الشدّة
لوقوفه على أهوال القبور وشدّتها ، ولذلك قال في موضعٍ آخر : ( لو تعلمون
ما أعلم لضحكتم قليلاً ، ولبكيتم كثيراً ) متفق عليه.
وبكى النبي –
صلى الله عليه وسلم – رحمةً بأمّته وخوفاً عليها من عذاب الله ، كما في
الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه ، يوم قرأ قول الله عز وجل : { إن تعذبهم
فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم } ( المائدة : 118 ) ،
ثم رفع يديه وقال : ( اللهم أمتي أمتي ) وبكى .
وفي غزوة بدر دمعت
عينه - صلى الله عليه وسلم – خوفاً من أن يكون ذلك اللقاء مؤذناً بنهاية
المؤمنين وهزيمتهم على يد أعدائهم ، كما جاء عن علي بن أبي طالب رضي الله
عنه قوله : " ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم إلا رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - تحت شجرة يصلي ويبكي حتى أصبح ) رواه أحمد .
وفي ذات
المعركة بكى النبي – صلى الله عليه وسلم - يوم جاءه العتاب الإلهي بسبب
قبوله الفداء من الأسرى ، : { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في
الأرض } ( الأنفال : 67 ) حتى أشفق عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه من
كثرة بكائه.
ولم تخلُ حياته – صلى الله عليه وسلم – من فراق قريبٍ
أو حبيب ، كمثل أمه آمنة بنت وهب ، وزوجته خديجة رضي الله عنها ، وعمّه
حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه ، وولده إبراهيم عليه السلام ، أوفراق
غيرهم من أصحابه ، فكانت عبراته شاهدة على مدى حزنه ولوعة قلبه .
فعندما
قُبض إبراهيم ابن النبي - صلى الله عليه وسلم – بكى وقال : ( إن العين
تدمع ، والقلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يُرضي ربنا ، وإنا بفراقك يا
إبراهيم لمحزونون ) متفق عليه.
ولما أراد النبي – صلى الله عليه
وسلم - زيارة قبر أمه بكى بكاءً شديداً حتى أبكى من حوله ، ثم قال : (
زوروا القبور فإنها تذكر الموت ) رواه مسلم .
ويوم أرسلت إليه إحدى
بناته تخبره أن صبياً لها يوشك أن يموت ، لم يكن موقفه مجرد كلمات توصي
بالصبر أو تقدّم العزاء ، ولكنها مشاعر إنسانية حرّكت القلوب وأثارت
التساؤل ، خصوصاً في اللحظات التي رأى فيها النبي – - الصبي يلفظ أنفاسه
الأخيرة ، وكان جوابه عن سرّ بكائه : ( هذه رحمة جعلها الله ، وإنما يرحم
الله من عباده الرحماء ) رواه مسلم .
ويذكر أنس رضي الله عنه عن
النبي - صلى الله عليه وسلم - لزيد وجعفر وعبد الله بن رواحة رضي الله عنه
يوم مؤتة ، حيث قال عليه الصلاة والسلام : ( أخذ الراية زيد فأصيب ، ثم
أخذ جعفر فأصيب ، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب - وعيناه تذرفان - حتى أخذ
الراية سيف من سيوف الله ) رواه البخاري .
ومن تلك المواقف النبوية
نفهم أن البكاء ليس بالضرورة أن يكون مظهراً من مظاهر النقص ، ولا دليلاً
على الضعف ، بل قد يكون علامةً على صدق الإحساس ويقظة القلب وقوّة العاطفة
، بشرط أن يكون هذا البكاء منضبطاً بالصبر ، وغير مصحوب بالنياحة ، أو
قول ما لا يرضاه الله تعالى