الرد على من يزعمون إجحاف الإسلام لها في الحقوق المالية
لا يستطيع خصوم الإسلام إنكار ما أعطاه الإسلام للمرأة من حقوق مالية ، إلا إذا كانوا جاهلين بالإسلام وتعاليمه ، أو متجاهلين لذلك ، بقصد النيل منه ومن مبادئه والتشنيع عليه ، وذلك لأن حضارتهم التي يفخرون بها ، وبما أعطته للمرأة من حقوق في مختلف الأمور ، لا تزال إلى اليوم قاصرة عما أعطاه الإسلام للمرأة منذ أربعة عشر قرناً ، فهم لا يستطيعون إنكار شيء قائم اليوم تنص عليه قوانينهم ، ويطبقه مجتمعهم وتحميه حكوماتهم ، ففي فرنسا – مثلاً – ذات العراقة في الرقي والتقدم ، وصاحبة الثورة الكبرى منشئة الحريات كما يصفونها ، والتي يعتبر قانونها أساساً لقوانين كثير من الدول الأوربية وغيرها من دول العالم ، لا زالت المرأة فيها مقيدة في بعض تصرفاتها المالية بموافقة الزوج ، كما أشارت لذلك المادة (1426/ من القانون المدني الفرنسي).
وفي بلجيكا ، مازالت إلى اليوم تقيد حرية المرأة في التصرف في مالها بإذن زوجها ، وللزوج في القانون البلجيكي أن يعطي زوجته تصريحاً عاماً دائماً أو لمدة محددة عن كل أو بعض التصرفات ، بيد أن حق الزوج في سحب هذا التصريح يظل قائماً ، فهي أهلية تخضع لهيمنة الزوج وإشرافه.
هذان نموذجان لما أعطته حضارة نقاد الإسلام والعائبين عليه بخسه لحقوق المرأة المالية – كما يزعمون – أقول هذا أنموذجان لما أعطته حضارتهم للمرأة من حقوق مالية في القرن العشرين ، فماذا أعطى الإسلام للمرأة من حقوق مالية منذ أربعة عشر قرناً.
لقد أباح الإسلام للمرأة أن تملك كل أصناف المال من دراهم وضياع ودور وعقار وغير ذلك ، أباح لها أن تملك ذلك بكل أسباب التملك ، مستقلة في هذا التملك عن غيرها من زوج وغيره.
وأباح لها أن تنمي هذه الأموال بكل وسائل التنمية المباحة ، بأن تباشر هي ذلك إذا اضطرت أو توكل من يقوم به.
ولها كامل حق التصرف في مالها – إذا كانت بالغة رشيدة – بالبيع والشراء ، والإجازة والهبة والتصدق والوقف والوصية وغير ذلك من التصرفات المشروعة ، وجعل لها شخصيتها وأهليتها الكاملة المستقلة في إبرام تلك العقود ، وهي فتاة أو هي زوجة ، فلا تدخل لأبيها ولا لزوجها بعد زواجها ، ولا لأحد من أقاربها فيما تملك إلا برضاها وموافقتها ما دامت بالغة رشيدة.
ومما أعطاه الإسلام للمرأة مهرها في النكاح ، فقد ألزم الإسلام الزوج بدفع مهر لها ولا يسقط عنه بحال ، حتى لو لم يسم أثناء العقد ، وهذا المهر المدفوع من الزوج حق خالص لها ، لا يجوز لأحد أن يأخذ منه شيئاً ، ولا أن يتصرف فيه بدون إذنها ، ولها كامل الحرية في التصرف به كباقي أملاكها ، وقد تكلمنا عن ذلك في صفحة (وجوب المهر في النكاح وملكيتها له).
وقد كانت قبل الإسلام محرومة من هذا الحق ، إذ كان يأخذه والدها أو وليها من دونها.
كذلك هناك حق كانت المرأة الجاهلية محرومة منه قبل مجيء الإسلام ، فلما جاء الإسلام أعطاها هذا الحق ، ذلك هو الميراث ، فقد جعل لها الحق في أن ترث أباها وأمها وزوجها ، وبقية أقاربها ، إذا توفرت الشروط المشروطة لذلك في الشريعة ، فلها حقها من الميراث نصيباً مفروضاً ، مهما كان الميراث المخلف ، قليلاً أو كثيراً ، عقاراً أو منقولاً ، حقاً خالصاً لها وملكاً من أملاكها تتصرف فيه كيف تشاء.
أعطاها الإسلام هذه الحقوق المالية وأباح لها تنميتها ، والعمل على زيادتها بكل الوسائل المتاحة في الإسلام ، بنفسها أو بواسطة وكيل توكله هي ، كما أعطاها كامل الحرية في التصرف بها بكل أنواع التصرف المشروعة ، وجعل لها شخصيتها وأهليتها المستقلة في ذلك ، فلا سلطة ولا وصاية ولا ولاية لأحد عليها ، كما أن لها الحق في التقاضي أمام القضاء ، حماية لأموالها ، ومع كل ما أعطاها من حقوق مالية فإنه ألزم الزوج بالإنفاق عليها ، مهما كانت ثروتها ، ومهما كان مستوى الزوج المادي ، والنفقة تشمل الأكل والشرب واللباس والمسكن ، وتأثيثه كما تقدم.
كذلك لم يفرق الإسلام بينها وبين الرجل في مقدار الحقوق المالية ، إلا في المواريث ولأسباب بيناها فيما سبق بعنوان (حقها في الميراث) وسنذكر طرفاً من ذلك هنا ، أما في بقية الأموال المكتسبة بالجهد والتعب فلا تفرقة فيها بينهما ، لا في الأجر على العمل ، كما يفعل الغرب اليوم في كل دولة بلا استثناء حيث ينقص أجر المرأة عن الرجل ، ولا في ربح التجارة ، ولا في ريع الأرض .. الخ ، لأن هذه الأموال خاضعة لمقياس المساواة بين الجهد والجزاء.
أعطيت المرأة المسلمة كل هذا منذ أربعة عشر قرناً بينما المرأة الفرنسية كانت إلى سنة 1942م محرومة من حق التقاضي عن مالها ، وكما كانت محرومة من عقد التصرفات والعقود ما لم تحصل على إذن خطي من زوجها (المادة 217 من القانون الفرنسي قبل تعديله سنة 1942).
بل إنها لا زالت إلى اليوم مقيدة في بعض التصرفات المالية بموافقة الزوج كما سبق ، حتى بعد تعديل القانون الفرنسي.
كذلك نصت القوانين الغربية جميعها على أن تقدم المرأة الدوطة لزوجها عند الزواج ، والدوطة كما عرفها القانون الفرنسي هي: المال الذي تقدمه الزوجة لزوجها لتعينه على تحمل أعباء الزوجية ، وكل ما تقدمه الزوجة من مال لزوجها أو يقدمه أبوها أو جدها أو أحد أقاربها.
والزوج وحده هو صاحب الحق في إدارة الأموال التي تتكون منها الدوطة واستغلالها ما دامت العلاقة الزوجية قائمة ، كما نص على ذلك القانون الفرنسي ، هذا بينما الإسلام يلزم الزوج إلزاماً أن يقدم هو المهر لها ، ولا يمكن أن يسقط عنه بحال ، إلا إن أسقطته أو بعضه هي ولا يجوز له أن يأخذ منه شيئاً البتة ، قال تعالى: (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً ، أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبيناً ، وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً) ، إلا إذا تنازلت هي أو وهبته شيئاً منه.
وبينما تنص القوانين الغربية على إلزام الزوجة في الغرب على مشاركة زوجها في نفقة البيت وتحمل تبعاته ، نرى الإسلام – كما قدمنا – يلزم الزوج بالإنفاق عليها مهما كان ثراؤها ، وعليه أن ينفق عليها كأنها لا تملك شيئاً ، ولها أن تشكوه إذا امتنع عن الإنفاق ، أو قتر فيه بالنسبة لما يملك ، ويحكم لها الشرع بالنفقة أو بالانفصال.
فأين ما يفخرون به على الإسلام في مجال الحقوق المالية بالذات ، وكيف ساغ لهم مؤاخذة الإسلام في هذا المجال؟ والإسلام منحها من الحقوق والتكريم فيه ، ما عجزت حضارتهم حتى اليوم عن أن تصل إليها ، إن هو إلا الجهل أو التجاهل والمكابرة ، ولقد دأب أعداء الإسلام على الطعن في الإسلام ، ورميه بظلم المرأة ، حين أعطاها نصف ما أعطى الذكر من الميراث ، واتخذوا ذلك سلاحاً وذريعة للنيل منه ولتأليب المرأة وإثارتها على الإسلام ، ولم يحاول هؤلاء إما جهلاً وإما عن عمد معرفة وبيان ما بنى عليه الإسلام عمله هذا في التفرقة.
إن الأساس الذي بنى عليه الإسلام تفريقه ذلك في توزيعه الإرث ، هو توزيعه الأعباء والواجبات في الحياة بين الذكر والأنثى ، فألزم الرجل بأعباء وواجبات مالية لا تلزم بمثلها المرأة.
وقد بينا تلك الأعباء والواجبات في صفحة (حقها في الميراث) ، على أن هذه التفرقة إنما تكون في المال الموروث بلا تعب فقط ، وهو مصدر واحد من مصادر تملّك المرأة في الإسلام ، أما بقية المصادر من المال المكتسب بالتعب والجهد ، فلا تفرقة فيه بين الرجل والمرأة ، لا في الأجر على العمل ، ولا في ربح التجارة ، ولا في ريع الأرض .. الخ ، لأنه يتبع مقياساً هو المساواة بين الجهد والجزاء ، وقد كفل الإسلام ذلك للجميع وأتاح للكل الفرص.
فلا ظلم إذاً ، ولا شبهة ظلم في ذلك للمرأة ، وإنما في توزيع قائم على العدل والإنصاف على قدر الحاجة ، ومقياس الحاجة هو التكاليف المنوطة بمن حملها.