الحمد لله الذي علَّم بالقلم ، علَّم الإنسان ما لم يعلم ، والصلاة والسلام على النبي الأعظم ، نبينا وقدوتنا وحبيبنا محمد ، وعلى آله وصحبه وسلّم . وبعد:فإن المتون العلمية خلاصة معتصرة من أعمال علمية كبيرة ،وجهود متواصلة في البناء العلميّ . لهــذا كانت هــذه المتون أساساً للتحصيل العلميّ ، لايمكن تجاوزه لمن أراد أن يشدو في سلّم الطلب ، ويسير على منهاج السالفين في ذلك . وقد راعى مصنفوا المتون العلمية فيها الشمول والدقة والإيجاز ليسهل حفظها ، ثم يقوم الأشياخ البصيرون بشرحها بعد حفظها ، وهــذا هو المسلك الذي سار عليه أهل العلم في كل زمان ومكان ، إلى أن ضمر الاهتمام بهــذا الأمر في عصرنا الحاضر ، وانزوى هــذا المنهج الفريد في أماكن قليلة حتى أصبح في حكم النادر ، بل كاد في هــذا الزمن أن يُصوِّح نبات العلم ، وتذرو رياح الجهل هشيمه إلا من بقايا في الزوايا . وفي هــذه الأيام ، ومن سنوات قليلة خلت ، بدأنا نشعر بتوجه بعض الشبيبة إلى تلمّس هــذا المنهج ، والبحث عن بقايا العلماء ، والالتصاق بـهم ، والأخذ عنهم . وهو توجه يبشر بالخير ، ولــكنه يحتاج إلى تسديد من أهل العلم ، يضبط المسار ، ويضع المعالم على طريق هؤلاء الطلاب ، حتى لا تأخذهم بُنيّات الطريق ، ويتيهوا في منعرجاتـها . ومن هنا نشأت فكرة (( سلسلة المتون العلمية المختارة )) والتي وفقني الله تعالى ـ له الحمد والمنة ـ إلى تحقيق باقة مهمة منها بتوجيه وتسديد وإشراف من العلاّمة الشيخ محمد سالم بن عبدالودود الشنقيطيّ وفضيلة تلميذه الألمعيّ الشيخ محمد الحسن أثابهما المولى تعالى وأحسن إليهما . ولما كانت هــذه السلسلة بحاجة إلى التعريف بـها ، اقترح عليّ بعض الأحبة أن أقوم بإنشاء موقع على الشبكة العنكبوتية (( الانترنت )) واتفق رأيهم على تسميته بـ (( متون )) . وبعد البحث تبين أن هذا الاسم مجرداً من التعريف بـ (( أل )) قد حجز لموقع صينيّ ، وأن محتواه ألعاب أطفال ، وهذا من عجائب زماننا وغرائبه ، فاتفقنا أن ندخل عليه (( أل )) التعريف (( المتون )) فتم حجزه ليكون محتواه العلم النافع بإذن الله تعالى . وفي أول إطلالة لهــذا الموقع أحمد الله تعالى على تهيئته وافتـتاحه ، مبتهلاً إلى الله تعالى أن ينفع به مرتاديه ، ويجعله خير معين على نشر هذه السلسلة والتعريف بها . * إن المتون العلميّة والعناية بـها حفظاً وشرحاً من أهم أسس التحصيل العلميّ ، وقديماً قيل : (( من حفظ المتون حاز الفنون )) و (( من حفظ الأصول ضمن الوصول )) و (( من لم يتقن الأصول حرم الوصول )) . وبمقارنة سريعة بين الجيل الذين تلقوا على مفتي الديار السعودية سماحة العلاّمة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله ومنهم العلاّمة الشيخ عبدالعزيز بن باز ، والعلاّمة الشيخ عبدالله بن حميد ، وغيرهما ممن قد رحلوا عن دنيانا رحمهم الله تعالى، وممن هم على قيد الحياة نفع الله بـهم . بمقارنة سريعة بينهم وبين جيل اليوم من الدكاترة وغيرهم ، نجد فرقاً كبيراً وبوناً شاسعاً ، وذلك لأن الجيل الذين تلقوا على يد الشيخ ابن إبراهيم ، ألزمهم رحمه الله تعالى بالمنهجية الصحيحة التي تلقّاها عن أشياخه ، أما جيلنا اليوم فاقتصر أغلبهم على الدراسة النظامية ، وظنوا أن إعداد البحوث وتصنيف الكتب يجعلهم علماء ، وهيهات . وهــذا المنهج الفريد يُعمل به الآن في إقليم شنقيط ، ولـهــذا نجد في هــذا البلد من العلماء وحفاظ المتون مالانجده في بلد آخر ، ومن أقرب الأمثلة على ذلك العلامة الجليل الشيخ محمد الأمين الشنقيطيّ رحمه الله تعالـى ، والعلامة الجليل المرابط الشيخ محمد سالم بن محمد عليّ المعروف بـ (( عدُّود )) وغيرهما من الأعلام في ذلك الإقليم العجيب . ومع هــذا فهناك من طلاب العلم من جيلنا ؛ من درج في مسالك أولئك الأشياخ ، وهم على قدر من العلم ولــكنهم قليلون جداً . إن اختيار المتون العلمية وحفظها وتلقيها على الأشياخ المتقنين هو السبيل الأمثل لتحصيل العلم ، وهو ما افردت له في (( أرجوزة الآداب )) فصلاً مستقلاً بعنوان : (( الفصل الثالث : في بيان أهم أسس التحصيل العلميّ )) فليرجع إليه من شاء . أسأل الله تعالى أن يوفق أجيالنا القادمة إلى العلم النافع والعمل الصالح ؛ إنه خير مسؤول . وختاماً : أشكر كل من أسهم في إنشاء هــذا الموقع ، وأدعولهم من الأعماق أن يجزيهم الله خير الجزاء ، وأن يرزقنا جميعاً الإخلاص في القول والعمل ، وصلّى الله وسلّم على خير خلقه ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات |
http://www.almtoon.com/word.php